الإنسانوية هي مذهب فكري وفلسفي وأخلاقي يركز على الإنسان وكرامته وحياته، كما أنها تركز على العلم والعقل بشكل أساسي وتجعل التفكير والاستدلال والاستقصاء العقلاني وسائلها الأساسية التي تعتمد عليها بعيدًا عن المذاهب الدينية والعقائدية والإيمانية؛ لذا فإننا نرى أن أصحاب الفلسفة الإنسانوية غالبًا ما يكونوا إما ملحدين أو لاأدريين يتشككون في وجود آلهة أو حياة أخرى وكثيرًا ما يؤدي ذلك إلى صدام وجدال بين كل من أفكار الإنسانويين وأفكار الدينيين.
إن عدم اعتماد الإنسانوية على الإجابات والمعتقدات الدينية يجعلها تعود إلى طرح العديد من الأسئلة البدائية التي تضرب بجذورها حتى تاريخ الفكر الإنساني القديم؛ حيث تطرح أسئلة حول معنى الحياة والصواب والخطأ والأخلاق التي يجب اتباعها، وقد توصل العقل البشري على مدار الآلاف السنين إلى العديد من الإجابات الدينية بالإضافة إلى الإجابات اللادينية، وتلك الأخيرة هي التي تعود الإنسانوية إليها لمناقشتها وتحليلها وتعتمد عليها في تكوين أفكارها.
الفكر الهندي القديم
تعتنق الإنسانوية المذهب النفعي للإنسان، ذلك الذي يركز على ضرورة حصول الإنسان على السعادة والمتعة القصوى وتقليل المعاناة الإنسانية إلى أقصى حد ممكن، بالإضافة إلى ذلك تعتنق الإنسانوية المذهب الطبيعي الذي يرى أن الواقع المادي والملموس هو الواقع الوحيد الموجود وعليه فإنهم يشككون في وجود واقع آخر يشمل الآلهة والملائكة والشياطين وغيرهم. ونجد في الكتابات الهندية المبكرة الكثير من الأفكار التي تشبه الأفكار الإنسانوية؛ حيث نجد في نصوص (الأوبانيشاد) تشكيك في وجود الإله (براهما) بالإضافة إلى ظهور مدرسة (كارفاكا) الفلسفية التي تتبع المذهب الإلحادي والمادي ذاته الذي تتبعه الإنسانوية، حيث كانت تشكك في جميع المعتقدات الدينية بالإضافة إلى تشكيكها في وجود عوالم أخرى بخلاف العالم الطبيعي المادي الذي نعيش فيه، كما كانت تؤكد على ضرورة سعي الإنسان نحو تحقيق المتعة والسعادة بدلاً من عيش الحياة المتقشفة التي توصي بها المعتقدات الدينية.
الكونفوشيوسية
هي ذلك المذهب الفلسفي والأخلاقي الذي أسسه (كونفوشيوس) قبل الميلاد وانتشر في (الصين) وكثير من أنحاء (آسيا) وعلى الرغم أن (كونفوشيوس) كان قد سلّم بوجود الآلهة والعالم الآخر وهو ما يتعارض مع المذهب المادي والطبيعي الذي تتبعه الإنسانوية، فإن الأفكار الأخلاقية والسياسية التي وضعها كانت مستقلة عن أي توجه أو تقيد ديني وهو ما جعل كلاً من الدينيين والإنسانويين يعتنقون تلك الأفكار على حد السواء.
اليونان القديمة
لدى الفكر اليوناني القديم حصيلة هائلة من الأفكار والمعتقدات الفلسفية في مختلف المسائل الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، وتمثل أفكار الفلاسفة الأغريق (طاليس) و(أناكسيماندر) و(أنكسيمانس) و(بروتاجوراس) أهمية بالغة للفلسفة الإنسانوية نظرًا لاعتماد هؤلاء الفلاسفة على الملاحظة والعقل في تكوين أفكارهم وطرح التفسيرات الميثولوجية والدينية جانبًا؛ فقد كان (بروتاجوراس) على سبيل المثال يتبع المذهب اللاأدري كما كانت أحد أهم معتقداته هو أن "الإنسان هو مقياس كل شيء".
أما الفيلسوف (أبيقور) فقد كان ماديًا يعتقد أن المواد تتكون من أجزاء وذرات غير مرئية وتحكمها قوانين خاصة وأن الإنسان أيضًا مادي لا يملك روحًا خالدة أو غير مادية لذا فإنه لا ينبغي لنا من وجهة نظر (أبيقور) أن نخاف من الموت أو من الألم والمعاناة فيما بعد الموت لأنه بمجرد أن نموت ينقطع وجودنا وكذلك شعورنا سواء بالألم أو بأي شيء آخر، كما أكد (أبيقور) على ضرورة التمتع بحياة هادئة وسعيدة وخالية من الخوف، ونجد أن كل تلك الأفكار تجعل أبيقور ذا أهمية كبيرة بالنسبة للفلسفة الإنسانوية.
الإمبراطورية الرومانية
تمخضت الإمبراطورية الرومانية هي الأخرى عن العديد من المفكرين والفلاسفة الذين عبّروا عن العديد من الأفكار الإنسانوية؛ من بين هؤلاء على سبيل المثال (شيشرون) الذي اعتمد في فلسفته على الاستقصاء العقلي والفلسفي، كما أنه أكد على استقلال القيم الأخلاقية التي يمكن أن يعتنقها الإنسان عن الدين وهي أهم الأفكار التي تسعى الإنسانوية إلى إثباتها لا سيما وأن تأكيدها على ضرورة العيش بمتعة وسعادة كان يجعل بعض الناس يعتقدون أنها تدعو إلى حياة مليئة بالملذات فقط لا تسعى إلا إلى إشباع الغايات والغرائر بمعزل عن الحدود والقواعد الأخلاقية، بالإضافة إلى (شيشرون) كان هناك الفيلسوف الروماني (سينكا) الذي دعمت أفكاره أيضًا الأفكار الإنسانوية؛ حيث كان ينظر للدين على أنه مجرد وسيلة نافعة للحكام كما كان يؤكد على أن "الوقت المناسب للعيش هو الآن" وهو ما يتوافق مع المذهبين النفعي والمادي للإنسانوية.
ابن رشد
يمثل (ابن رشد) أحد التيارات الفكرية والفلسفية المعبرة عن الأفكار الإنسانوية؛ حيث قدم (ابن رشد) شروحات لأعمال (أرسطو) قائمة على العقل والاستدلال بعيدًا عن النصوص الدينية؛ بل إنه كان يرى أنه إذا ما تعارض النص الديني مع ما يقوله أحد الفلاسفة من أمثال (أرسطو) فإنه يجب إعادة تفسير النص الديني على اعتبار أن أسلوبه يعتمد على المجاز ما يجعل الفهم الحرفي للنصوص يبدو وكأنه يتعارض مع العقل أحيانًا، وهو ما توافق كثيرًا مع الأفكار الإنسانوية التي تعتمد على الاستدلال والتفكير العقلي والمنطقي بعيدًا عن كافة المعتقدات والنصوص الدينية.
عصر النهضة
عصر النهضة هو تلك الفترة الممتدة من القرن الرابع عشر حتى بداية القرن السابع عشر، وكانت بدايته في (فلورنسا) بـِ (إيطاليا)، وقد شهد هذا العصر الكثير من التطورات والأحداث التي دعمت الأفكار الإنسانوية؛ من بينها النقد اللاذع الذي وجهه (مارتن لوثر) للكنيسة الكاثوليكية والهجوم عليها نتيجة قيامها باختراع ما يسمى صكوك الغفران التي كانت تزعم أن شرائها من شأنه أن يضمن لصاحبها غفران كافة ذنوبه وعتقه من النار ودخوله الجنة.
وتوالت الضربات الموجهة للكنيسة ونفوذها حيث قام (كوبرنيكوس) بوضع نظريته التي تقول بأن الأرض تدور حول الشمس وأيدها (جورادنو برونو)، وهو ما يتعارض مع ما تقوله الكنيسة حول مركزية الأرض كما أكد (جالليليو) على صحة النموذج القائل بمركزية الشمس ودوران الأرض حولها، وعلى الرغم من تحويل هؤلاء إلى محاكم التفتيش فإن مواقفهم تلك لا تنفي الهزة التي تعرضت لها الكنيسة في ذلك الوقت.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان